نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3074
اليوم يوم الجزاء الحق. اليوم يوم العدل. اليوم يوم القضاء الفصل. بلا إمهال ولا إبطاء.
ويخيم الجلال والصمت، ويغمر الموقف رهبة وخشوع، وتسمع الخلائق وتخشع، ويقضى الأمر، وتطوى صحائف الحساب.
ويتسق هذا الظل مع قوله عن الذين يجادلون في آيات الله- في مطلع السورة-: «فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ» .. فهذه نهاية التقلب في الأرض، والاستعلاء بغير الحق، والتجبر والتكبر والثراء والمتاع.
ويستطرد السياق يوجه الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- إلى إنذار القوم بذلك اليوم، في مشهد من مشاهد القيامة يتفرد فيه الله بالحكم والقضاء بعد ما عرضه عليهم في صورة حكاية لم يوجه لهم فيها الخطاب:
«وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ، ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ. يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ. وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ..
والآزفة.. القريبة والعاجلة.. وهي القيامة. واللفظ يصورها كأنها مقتربة زاحفة. والأنفاس من ثم مكروبة لاهثة، وكأنما القلوب المكروبة تضغط على الحناجر وهم كاظمون لأنفاسهم ولآلامهم ولمخاوفهم، والكظم يكربهم، ويثقل على صدورهم وهم لا يجدون حميما يعطف عليهم ولا شفيعا ذا كلمة تطاع في هذا الموقف العصيب المكروب! وهم بارزون في هذا اليوم لا يخفى على الله منهم شيء، حتى لفتة العين الخائنة، وسر الصدر المستور:
«يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ» :
والعين الخائنة تجتهد في إخفاء خيانتها. ولكنه لا تخفى على الله. والسر المستور تخفيه الصدور، ولكنه مكشوف لعلم الله.
والله وحده هو الذي يقضي في هذا اليوم قضاءه الحق. وآلهتهم المدعاة لا شأن لها ولا حكم ولا قضاء:
«وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ» ..
والله يقضي بالحق عن علم وعن خبرة، وعن سمع وعن رؤية. فلا يظلم أحدا ولا ينسى شيئا:
«إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ..